خاص – في ليبيا المنقسمة، يدفع الانجليزيون مقاتلي داعش في سرت ليدفعونهم الى الاستسلام

“سفارات الدول الرئيسية المشاركة في الملف الليبي، بلا استثناء، تلعب على الحبلين أو أكثر من حبل. فعلى سبيل المثال، وصل  الانجليزيون مؤخرا إلى سرت وبدأوا يدفعون مقاتلي داعش ليدفعونهم الى الاستسلام. قيمة هذه اللعبة عالية جداً ولا أحد يريد أن يُعزل, في حال تحركت الاجواء السياسية وتوازنات القوة في اتجاه او اخر. ليبيا مقسمة بين طرابلس وبنغازي، وبين رجل برقة القوي، المشير حفتر، ورئيس الوزراء المدعوم رسميا من المجتمع الدولي، السيد السراج”.

هذا ما قاله باختصار مسؤول شاب في سفارة أوروبية الذي اجتمعنا معه في مدينة تونس. قبل ان يتكلم, أصر ان يوضح المسؤول على انه سيتبادل معنا بعض الافكار، ولكنه ليس له الأذن لكي يتكلم في مقابلات صحفية. هو يعرف جيدا هذه الملفات، وعلى الرغم من أن صوته منخفض وهادئ ونظرته خجولة, رأيت في عينيه الحماس والخبرة، حينما عرض الاسماء والتواريخ وحولنا أبخرة الشاي في الفناء المشمس بمنزل قديم في القصبة.

فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، بالضافة الى مصر وتونس والجزائر منشغلين منذ أشهر في عمل وساطة ضخمة في المدن الليبية الرئيسية، وخصوصاً طرابلس ومصراتة وبنغازي.

وفي كثير من الاحيان، تقوم وفود كبيرة واحدة تلوى الاخرى من هذه المدن الرئيسية في ليبيا بزيارات سرية الى البلدان المجاورة.

على سبيل المثال، أقام الانجليزيون علاقات قوية مع برقة، ولكن وجودهم في مصراتة أصبح، في الآونة الأخيرة، أقوى من وجودهم في المنطقة الشرقية.

وقال المسؤول الدبلوماسي ان ليس هناك فقط قوات خاصة، ولكن أيضا العديد من المستشارين الذين أعدوا الأرض وهم يدعمون قوات مصراتة ضد داعش في سرت منذ أبريل 2016. ونشرت في الايام الاخيرة قوات البنيان المرصوص بعض الصور لعسكريين غربيين إلى جانب قوات مصراتة في أنشطة استطلاعية. وقد تم مؤخرا إزالة صورة لعسكري أشقر قوي البنية يحمل كاميرا من صفحتهم الرسمية على الفيسبوك.

وقد أكدت بكل سهولة مصادر رفيعة المستوى من الجالية الليبية في تونس أن المكتب الإعلامي لقوات البنيان المرصوص تم بناؤه من قبل الإنجليزيين وخصص له تمويل ضخم. وهذا ليس سراً في مصراتة والمناطق المحيطة وهذا الشيء واضح جدا فاسمه الرسمي هو “المركز الإعلامي لعملية البنيان المرصوص” (Media Centre Room Ly) حيث كلمة “مركز” (Centre)  مكتوبة باللغة الإنجليزية البريطانية.

وتتكرر بإصرار شائعات عن إجراءات غير تقليدية قام بها مقاولون عسكريون بريطانيون في العام الماضي لتحرير المناطق الأخيرة في سرت قبالة الساحل التي كان يسيطر عليها داعش.

وصل فريق من المفاوضين المؤلف من أربعة مواطنين ليبيين من طرابلس, الى مدينة سرت عبر البحر قادمون من مالطا في شهر اب 2016 للتفاوض على استسلام داعش. كانوا هؤلاء قد نقلوا إلى مانشستر في الثمانينات وهم يعملون حاليا لصالح شركة استشارات أمنية مقرها لندن.

بالنسبة للانجليزيين، كما للعديد من الدول المعنية بالأزمة الليبية، ليس سهلاً التمييز بوضوح بين “الجيد والسيئ”. وهي أولا وقبل كل شيء مسألة مصلحة وطنية.

قبل أن يحيينا بمصافحة يد سريعة، شرح لنا الدبلوماسي الشاب في مهمته الاولى، أن في القرن الثامن عشر, بعض القوى الغربية، حتى أولئك الذين كان يسيطرون على البحار بتفوقهم العسكري مثل الانجليزيين، توصلوا إلى برم اتفاقيات بشروط مع القراصنة الذين كانوا يشنون غارات في البحر الأبيض المتوسط. وكانوا القراصنة ينطلقون ايضاً من السواحل الليبية لمهاجمة السفن التجارية بشكل خاص. آنذاك نجحت تلك الاتفاقيات التي تنص على دفع مبالغ مالية عالية لقادة تلك الزمان بتوقيف ظاهرة القرصنة. واليوم الرايات السوداء لم تعد للقراصنة بل لداعش، ولكن لونها ربما ليس اسود كفايا في عيون البعض لابرام اتفاقيات.