كيفيّة محاربة إيديولوجيّة داعش

في الوقت الذي يخطط فيه التحالف المدعوم من قبل الولايات المتحدة للقوات السورية الديمقراطية التي يقودها الأكراد هجومًا على آخر معقل لداعش [في شرق سوريا]، كان الكثيرون قد أعلنوا النصر النهائي ضدّ داعش ووضعوا حدًّا لحكم هذه المجموعة الوحشي – الّذي دام أكثر من 5 سنوات – في العراق وسوريا. في الواقع، يمكن للقوات السورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة أن تنهي بفعالية حكم داعش وسيطرته على الأراضي العراقيّة والسوريّة [قريبًا جدًا]. على الرغم من أنّ ذلك يعدّ إنجازًا عسكريًا كبيرًا، إلا أنه من السابق لأوانه إعلان النصر ضد داعش الّذي يتّصف بإيديولوجية قد تخلق تحديات للكثير من المجتمعات [خاصة في العراق وسوريا] لسنوات عديدة. لرُبَّ أنّه تمّ كسب المعركة ضدّ داعش، لكنّ الحرب لم تنته بعد.

لا يهدف ذلك إلى التقليل من شأن الانتصار العسكري الذي سجتله القوات السورية الديمقراطية المدعومة من قبل الولايات المتحدة على أرض الواقع ضدّ داعش، بل إلى تحذير أصحاب المصلحة وواضعي السياسات ضدّ الوقوع مرّةً أخرى في فخ الاعتقاد بأنّ القوة العسكرية هي الحل الوحيد لمواجهة الجماعات المتطرفة. على الرّغم من أنّ الحل العسكريّ ضروريّ لإلحاق الهزيمة بهذه المجموعات على الأرض والتقليل من عددها، إلّا أنّه لا يؤدّي إلى بلوغ الهدف النهائي، ألا وهو القضاء على أيديولوجية داعش بحيث تصبح عاجزة عن خلق مجموعة مماثلة تحت اسم مختلف في المستقبل.

من أجل مواجهة الفكر الجهادي بفعالية ومنع ظهور جماعة متطرفة أخرى بعد بضع سنوات، من الضروريّ البدء بمكافحة الأسباب الجذرية للإرهاب على المستوى المحلي: [المظالم] العرقيّة والفقر والظلم الاجتماعي والقمع ونقص التعليم. لقد صدرت الكثير من الكتابات الأكاديمية والصحفية حول هذه المواضيع، ولكن لم يقدم أي منها حلًّا سحريًّا يكون كفيلًا للتعامل بنجاح مع هذه القضية. ويعود السّبب إلى عدم توافر ذلك الحلّ. إنّ معالجة هذه القضايا الاجتماعية والحكومية بالتدريج وبالتزامن مع التصدّي لأيديولوجية دينية لن تكون إلّا معركة شاقة، وقد يستغرق الأمر عقودًا لتحقيق تقدم حقيقي في بعض المجتمعات حيث يكثر العرض والطلب على الأيديولوجية المتطرفة.

لبلوغ هذه الغاية، يجب تطوير إستراتيجية طويلة المدى – تعتمد على احتياجات مجتمعات معينة للتغلب على تحدياتها الاجتماعية والسياسية والدينية – من قبل خبراء محليين مدعومين من الحكومات المحلية و[المنظمات الدولية غير الحكومية]. فبمجرد أن تقاوم المجتمعات المحلية هذه الإيديولوجيات، يصبح من الصعب للغاية على المنظمات الإرهابية الانتقالية [مثل القاعدة] أن تكون قادرة على تصدير أفكارها إلى هذه المجتمعات المحلية وتجنيد شبابها. ولكي تعمل هذه الخطة الطموحة على المدى الطويل، فقد حان الوقت للحكومات التي تحارب الإرهاب ألّا تكتفي فقط بإرسال قوات ودبابات للتعامل مع التهديدات الأمنية. لا يمكن معالجة الكثير من مظالم المجتمعات المحلية، مثل الاغتراب السياسي والاجتماعي، إلا من خلال حكومة شفافة وديمقراطية تضمن التمثيل النسبي لجميع الأقليات، بغض النظر عن خلفياتهم العرقية والدينية. والأهم من ذلك، يجب على الحكومة أن تجد حلًّا جدّيًا لنقص الفرص والوظائف أمام [مئات الآلاف] من الشباب العاطلين عن العمل. إذ إنّ ذلك يساهم في استمالة قلوبهم وعقولهم ما يجنّبهم اللجوء إلى الإرهاب.

ولكن بغية بلوغ هذه الأهداف، فلا بدّ من تأمين التعليم الحديث باعتباره الأساس القوي الذي يمكن أن يثقف الشباب وينشر الوعي ضدّ النتائج طويلة الأجل لهذه الإيديولوجيات. وعلى الرغم من أنّ الكثيرين قد يعتقدون أنّ هذا التفكير هو مجرد تمني، إلّا أنّه الخيار الوحيد لمكافحة الإرهاب بفعالية.